Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
كن متميزا
24 octobre 2008

احتضنت مدينة الجديدية المهرجان الوطني للفرس وفي

احتضنت مدينة الجديدية المهرجان الوطني للفرس وفي دات الاطار تم الاحتفال بالفرس المغربي وبكبار الخيالة ومربي الخيول ف ي البلاد

الحفل الدي حضره جلالة الملك محمد السادس وزمرة من المسؤولين الكبار يرمي الى التعريف بتاريخ هدا الحيوان النبيل وعلاقته بالثتقافة المغربية العربية الاصيلة

هده نظرة ليس على المخرجان وانما على تاريخ الخيالة والخيول عند العرب من خلال كتاب الراحل الفريق الاول الركن العراقي صباح الفخري


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

آخر إصدارات الراحل الفريق الأول الركن هشام صباح الفخري في مجال التأليف وهو كتاب بعنوان "الفرسان والحسم في الصراع" وهو يتضمن جميع مراحل دور الفرسان في عصر ما قبل الميلاد وأثناء عهد الرسالة ومعارك الفتح الإسلامي

شبكة البصرة

 

كتاب الفرسان والحسم في الصراع

الحلقة الاولى

خاص بشبكة البصرة

الراحل الفريق الأول الركن هشام صباح الفخري

الجزء الاول

 

المقدمة

كان العرب يعدون الحصان عنصراً لا غنى عه لإحراز النصر في غاراتهم التي يشنونها في الجاهلية، واشتهروا منذ القدم كفرسان، وعرفوا حدوة الفرس، والسرج، والركاب، واستخدموا اللجام والمهماز.وعندما جاء الإسلام، طلب القرآن من المسلمين مجابهة الأعداء عن طريق " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ". وكما حدث الرسول (ص) المسلمين على العناية بالخيول، وأخبرهم أن " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ". وجعل الإسلام للفارس ضعف غنيمة المقاتل الراجل (المشاة). وكانت إحدى أولى المجابهات القوية بين الجيش الإسلامي وجيش الروم ضم كل منهما (ولا سيما الروم) قوات خيالة كثيفة ومنظمة، تلك المجابهة التي وقعت في منطقة قرية (مؤتة) والتي انتهت بقرار خالد بن الوليد الانسحاب من المعركة لتخليص قوات المسلمين (3000 آلاف مسلم من المرجح أن يكونوا جميعاً من الخيالة) من المأزق الحرج الذي وقعوا فيه، تجاه قوات الروم والقبائل الموالية (200 ألف مقاتل). وتبع ذلك، غزوة فتح مكة الحاسمة (رمضان 8 هـ) التي أسفرت عن انتصار شامل حققه الرسول (ص) على مشركي قريش في مكة. وكان الفضل الأكبر في هذا الانتصار يعود إلى نجاح ترتيبات الرسول في حرمان قريش من معرفة نواياه، وسرعة خيالته (كانت قوة المسلمين عشرة آلاف راكب وراجل) على جميع مداخل مكة.

ولا ننسى كذلك أن خالد بن الوليد هو نفسه الذي نجح في استغلال تفوق جيش المشركين في الخيالة (200 فارس |) على جيش المسلمين (65 فارساً) يوم غزوة أحد، حينما انتهز فرصة ترك رمانة المسلمين لمواضعهم، وكان على ميمنة خيل المشركين، فهجم على هذه المواضع، واستطاع إجلاء من بقي من الرماة منهم عنها وهم دون العشرة، وفرض سيطرته عليها، ولم يفطن المسلمون لهذه المباغتة، وصاح خالد بن الوليد يعلن لقريش بأنه الفت وراء المسلمين، فعادة قوات قريش المنهزمة للقيام بهجوم جبهوي، بينما أكمل خالد التفافه من الخلف، فأصبح المسلمون محاطين من جميع الجوانب. إن هذه المباغتة التي أتاحت الفرصة لقريش أن توقع الفوضى في صفوف المسلمين وتقلب الموازين لمصلحتها، ما تحققت إلا بفضل خيالة خالد وسرعة انقضاضها على مواضع الرماة.

وفي معركتي اليرموك (636 م) والقادسية (637 م)، تم تنظيم قوات الخيالة لتعمل على جناحي قوات المشاة، حيث كان الفرسان يقومون بالاشتباك مع قوات العدو ثم ينسحبون إلى الأجنحة لتغطيتها، وبعد المعركة كانت الخيالة تقوم بأعمال المطاردة واستثمار الفوز.

وقد عمل الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) على تكوين قوة احتياطية من الخيالة لمواجهة الطوارئ. وظهرت أهمية هذا الاحتياط السوقي من الخيالة في عدد من الوقائع التي تلت فتح الشام والعراق.

ففي العام (638 م) قام الروم بهجوم وصلوا خلاله إلى حمص، فأمر عمر والي الكوفة بتوجيه قوته الاحتياطية إلى حمص بقيادة القعقاع بن عمرو التميمي. وكان لهذه الحركة السريعة دور حاسم في إحباط هجوم الروم وتدمير قوتهم.

وتطورت قوة الخيالة العربية بعد الفتوحات، وأصبح الجيش الإسلامي في مجمله من الفرسان. وفضل العرب استخدام الخيول الخفيفة لتنفيذ مهمات الاستطلاع في المقدمة، وللعمل على الأجنحة والمؤخرة في مرحلة المسير، وللعمليات الخاصة مثل الغارات والكمائن والتسلل، فضلاً عن القيام بمهمات الضرب والاختراق والمباغتة السريعة تجاه نقاط الضعف المكتشفة في صفوف العدو، ومطاردة قوات العدو في أثناء اندحارها بهدف تدميرها، أو أسر أكبر قسم منها. وكما يتضح من هذه المهمات فإن غرض الخيالة الرئيس كان دائماً الاستفادة القصوى من سرعة الحركة للقوات من ناحية، ولتأمين عنصر الصدمة من ناحية أخرى. وقد ميزت هاتان الناحيتان صنف الخيالة منذ القدم، ووضعتاه في مرتبة القوة الأكثر حسماً وأهمية على صعيد العمليات العسكرية، وهو الغرض نفسه الذي تستخدم القوات المدرعة لتحقيقه في الوقت الحاضر.

لقد استفاد العرب من قدرات خيالتهم العالية في الحركة واستثمروها على أفضل وجه ممكن، وبذلك استطاعوا نشر عقيدتهم في أقل من مائة عام على امتداد الأقاليم الواقعة بين حدود الصين، وحدود بلاد الغال (فرنسا حالياً).

وقد أشاد القائد البريطاني المعروف (مونتغمري) بذلك في كتابه الموسوم (الحرب عبر التاريخ) قائلاً : " وقد طبق العرب وبذكاء خفة الحركة أثناء فتوحاتهم، فكانوا يقاتلون من فوق ظهور الجمال والخيل، وفي المناطق الملائمة لذلك مثل الأراضي المفتوحة في شمالي أفريقيا وغربي آسيا ". ويضيف قائلاً : " إن أهم مميزات الجيوش الإسلامية لم تكن المعدات أو التسليح أو التنظيم، بل كانت في الروح المعنوية العالية النابعة من قوة إيمانهم بالدعوة الإسلامية، وفي خفة الحركة التي ترجع إلى مهارتهم في سرعة التحرك بالجمال والخيل، وأيضاً في قوة تحملهم وجلدهم، نتيجة لحياتهم الصعبة في الصحراء والتي تعودوا عليها ".

ولكن مع أهمية وحيوية دور الخيالة في معارك صدر الإسلام والعهد الراشدي، فإن المكتبة العربية لا تضم في رفوفها إلا القليل في بطون كتب التاريخ مما يشير إلى أدوار الخيالة العربية في هذه الحقبة، وضمن السرد التاريخي العام لوقائعها دون الإشارة إلى تفاصيل هذه الأدوار وكيفية تنفيذها والإسهاب في الكتابة عن تعبيتهم وأسلحتهم وصفاتهم ومميزاتهم، مما دفعني للكتابة عن موضوع (الفرسان والحسم في الصراع)، من أجل الحصول على مادة تاريخية منفصلة لهذا الصنف الحيوي الذي كان له الفضل في تحقيق أزهى الانتصارات لأمتنا العربية والإسلامية في العقود الثلاثة الأولى لتأسيس الدولة الإسلامية وفي العهد الأموي وفي النصف الأول من العهد العباسي.

وعلى هذا الأساس، اشتمل الكتاب على مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة. وقد خصصنا الباب الأول للكتابة عن (نشأة وتطور الخيالة العربية الإسلامية) ضمن أربعة فصول، تناولنا في الفصل الأول منها (دور الخيالة عند العرب قبل الإسلام)، وكرسنا الفصل الثاني لمناقشة موضوع (الخيالة في الفكر العربي الإسلامي)، فيما خصصنا الفصل الثالث لبيان (السجايا التي يتصف بها الخيال العربي). أما الفصل الرابع فقد عالج (أهمية الخيالة في نظم القتال العربية).

فيما تناولنا في الباب الثاني من الكتاب (دور الخيالة في معارك المسلمين) على امتداد خمسة فصول. حيث أفردنا الفصل الأول لـ (دور الخيالة في سرايا ومغازي الرسول)، ثم تطرقنا في الفصل الثاني إلى (دور الخيالة في معارك الردة)، فيما ناقشنا في الفصل الثالث (دور الخيالة في معارك التحرير في العهد الراشدي). بينما تناولنا في الفصل الرابع معركتين حاسمتين من معارك العهد الأموي، وهما بلاط الشهداء ومعركة الزاب. أخيراً ناقشنا في الفصل الخامس معركة عمورية التي كانت بحق تاج المعارك في العهد العباسي.

أما الباب الثالث والأخير فقد ألقينا خلاله نظرة على على قبسات من سيرة وتاريخ بعض القادة الفرسان من تاريخنا العربي الإسلامي، وذلك في فصلين، ضم الأول منها تاريخ سبعة قادة تميزوا بالقيادة البارعة والفروسية الزاهية، لا في الحرب فحسب، بل وفي مختلف جوانب حياتهم، وهم (خالد بن الوليد، أبو عبيدة عامر بن الجراح، عمرو بن العاص السهمي، عقبة بن نافع الفهري، موسى بن نصير، مروان الثاني، صلاح الدين الأيوبي).

أما الخاتمة، فقد احتوت على الاستنتاجات الرئيسة التي توصل إليها الكاتب من دراسته العميقة للموضوع.

 

الباب الأول : نشأة وتطور الخيالة العربية الإسلامية

تمهيد :

اشتهرت الجزيرة العربية بالخيول، وبسبب الطبيعة الجغرافية فيها وترامي أطرافها، وحاجة الأقوام فيها للاتصال فيما بينهم سواء لأغراض تجارية أو بسبب المنازعات بين القبائل، اهتموا بتربيتها، وأصبحت هي والجمال وسيلتان رئيستان للتنقل وللقتال، وكان بإمكان الموسرين من العرب استخدام الخيول لهذه الأغراض بسبب ارتفاع أثمانها وكلفة العناية بها. والخيول في جزيرة العرب هجينة، دخيلة، وردت إليها من خارج الجزيرة، ولذلك لم يجد الباحثون في الكتابات الآشورية ما يشير إلى استعمال الخيول في جزيرة العرب ([1]).

يعتقد أن الموطن الأصلي للخيول هو منطقة بحر قزوين، ومن هناك دخلت إلى الجزيرة العربية عن طريق بلاد العراق أو الشام. ويستند الباحثون في وجهة نظرهم هذه إلى الأحداث التاريخية التي سبقت ظهور النبي موسى (عليه السلام) حيث هاجرت جماعات من الأقوام الهندو أوربية إلى الشرق الأدنى انحدروا من المناطق الجبلية الشمالية والشرقية، ومنهم الحوريون والحيثيون، والحوريون هم أقوام جبليون، موطنهم الأصلي (أوارتو)، وهي أرمينية الحالية أو الإقليم الواقع إلى الشمال والشرق من بحيرة (وان)، وقد ورد ذكرهم في التوراة باسم الحوريين. وكانت بدايات تحركهم من موطنهم في المنطقة الواقعة بين بحيرة (وان) وجبال زاغروس نحو بلاد آشور شمال العراق حوالي القرن الثامن عشر ق.م، وكانت هذه الهجرة معاصرة لهجرة الكاشيين إلى العراق والهكسوس إلى مصر، وقد أدخل الأمراء الحوريون إلى المناطق التي استولوا عليها الخيل والعربات الحربية التي تجرها الخيول ([2]).

ويبدو أن الموطن الأصلي للخيول هو ليس منطقة آسيا الصغرى أو أرمينيا، إذ يعتقد الباحثون أن موطن الخيول الأصلي هو أمريكا، حيث كانت حيوانات وحشية غير مدجنة، شأنها شأن بقية الحيوانات، وقد وجدت طريقها من أمريكا إلى آسيا منذ العصور الحجرية القديمة، وذلك عندما كانت أمريكا وآسيا تشكلان قارة واحدة ثم انتقلت إلى أرض فلسطين في حالتها الوحشية في العصر الميولثي (2000-7000) ق.م ([3])، وقد دجنت منذ عهد قديم في مكان ما من قبل الهندو أوربية الرحل التي أشير إليها قبل قليل، وقد أدخلت إلى سوريا في عهد الهكسوس، ومنها انتقلت إلى مصر ثم إلى الجزيرة العربية حيث تمكنت بذلك من الحفاظ على سلالتها الأصلية دون الاختلاط بدماء الخيول الأخرى، لذا فإن جميع أنساب الخيول العربية الممتازة في العالم يرجع إلى البادية العربية، ويبدو أن الطبيعة الجغرافية للجزيرة وإحاطتها بالمياه من جهات ثلاث، ووجود الصحراء في الشمال، كان يساعد بشكل آو بآخر على فرض نوع من العزلة عليها، وبالتالي أمكن الحفاظ على سلالات الخيول التي جرى تطويرها عبر آلاف السنين، وإعطائها الصفة المميزة التي تظهر بها الآن.

وتمتاز الخيول العربية بوفرة وجودة نوعها، فالجواد العربي يتميز بجماله وحسن تركيبه وطباعه وشدة صبره وتحمله للجوع والعطش وشدة البرد والحر. ويلاحظ هنا انعكاسات الطبيعة القاسية لأرض الجزيرة على الصفات التي اكتسبها الجواد العربي التي لا يدانيه فيها أي جواد من عروق الخيول الأخرى. والجواد العربي سريع الجري لا يسبقه غير خيول السباق الإنكليزية الأصيلة المعروفة بـ (الثورو بيرد) ([4]) والتي تجري في عروقها دماء الخيول العربية.

والسلالات الأصيلة من الخيول العربية هي ثمرة ما جاءت به جزيرة العرب التي تؤول إليها جميع أنساب الخيول العربية الممتازة في العالم. فلعشائر شمر في الشمال والشمال الغربي وعنزه في الغرب والضفير وآل سعدون وفروع هذه العشائر وغيرها يرجع الفضل في تربية السلالات العريقة والمحافظة عليها ومنها انتشرت إلى مختلف الأقطار. ونظراً لسرعة الخيول وخفتها صارت من أهم وسائط الغزو بين القبائل العربية، ولهذا أخذت هذه القبائل تقتني الخيول وتعتني بها للمحافظة على كيانها في الدفاع والهجوم، وعدت القبائل القوية هي التي تملك عدداً كبيراً من الخيل إلا أن توقف الغزو بين القبائل و انتشار وسائط النقل الآلية بعد الحرب العالمية الأولى أثر على منتوج الخيل في البادية فهبط عددها هبوطاً كبيراً لدرجة أن هجر معظم أفراد القبائل الرحل تربيتها لما يكلفهم ذلك من نفقات وجهود لا عوض يذكر، فبقيت تربيتها بأيدي القبائل العربية المستوطنة على ضفاف الرافدين والممتهنة الزراعة لتوافر أسباب تربيتها لديهم ولدوام حاجتهم إليها ولو بنطاق ضيق. وتستعمل الخيول اليوم لأغراض النقل والخدمات وللتسلية واللعب في حلبات السباق كما تستخدم أحياناً للصيد.

وينسب الحصان في الأقطار العربية إلى نسب أمه فالجواد يعد حمدانياً إذا كان ذلك نسب أمه. لقد قيل الكثير في الحصان عن العرب وأهمه ما روي عن رسول الله محمد (ص) أنه كان يلوي ناصية فرصه بإصبعه ويقول " الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة " ([5]). وقيل إنه (ص) قد نهى عن إذلالها وإهانتها ([6]). وقد كان الحصان عماد الطلائع والجناحين في السرايا والغزوات ووسيلة أساسية من وسائل القتال عند العرب، إضافة إلى أنه موضع فخرهم وتباهيهم واعتزازهم، فقد كان الحصان (سيد الميدان الصالح للكر والفر في الأراضي المكشوفة. ظهره حصن لراكبه لخفة حركته عند المجاولة وسرعة عدو عند الفرار) ([7]).

وقد اعتنى العرب بخيولهم وفرسانهم كثيراً، فكانت الطلائع والجناحان في كل جيش نصيب الفرسان في القتال وكان للفارس من الغنائم ضعف ما للراجل ([8]).

إضافة إلى الدور الأساسي الذي كان الحصان يؤديه في المعركة، فقد كان يستخدم لنقل المؤن للمحتاجين، ونقل البريد بين المعسكرات والوحدات والقادة وغيرها من الواجبات الحربية التي تتطلب السرعة في الانتقال.

 

الفصل الأول : الخيالة عند العرب قبل الإسلام

عام :

كانت الخيالة العربية قبل الإسلام تمثل المضامين السياسية والعسكرية للمجتمع العربي ودفاعه ضد التحديات ومواجهة الخصوم على مستوى القبيلة التي تحمل مقومات الدولة الصغيرة في كيانها ونظمها، أو على مستوى الوجود العربي بشكل عام ضمن قبائل وإمارات وممالك سياسية موزعة على الأرض العربية والتي تشكل أمة واحدة في نسبها ولغتها ومعتقدها وتاريخها، وكان الإحساس الذاتي الذي يعّبر عنه بالانتماء أو رابطة الانتماء إلى القبيلة، هو نفسه الذي نمو ويتصاعد ضد التحديات الأجنبية الخارجية ليشكل المشاعر القومية القوية على امتداد البلاد العربية من الخليج العربي إلى العقبة، ومن البحر العربي إلى أطراف الهلال الخصيب. إن هذه المساحة قد أصبحت مسرحاً للأحداث قبل وبعد الإسلام عبر مواطن القبائل والإمارات العربية كنظم سياسية وعسكرية. وقد كان للتنظيم الحربي وتطوره دور بارز في هذه الأحداث، وكان للخيالة دور بارز في حسم العديد من المواقف في القتال في جميع أجزاء الجزيرة العربية، اليمن في الجنوب وبلاد الشام في الشمال والعراق في الشمال الشرقي، فضلاً عن مكة في الوسط.

لقد كانت الجزيرة العربية محاطة بإمبراطوريات ودول قوية حققت لها مراكز استقطاب مهمة آنذاك، فكانت دولة المناذرة في العراق تحت النفوذ والسيطرة الفارسية، واليمن في الجنوب تحت السيطرة والنفوذ الحبشي، وبلاد الشام أو بصرى مركز دولة الغساسنة تحت النفوذ البيزنطي، وكانت وسيلة هذه الإمبراطوريات وبدعم جيوشهم الجرارة والمتطورة وبمساعدة عملاء لهم من الجاليات التي تسكن هذه المناطق، إثارة الحزازات والمشاكل والتناقضات بين القبائل العربية ([9]) كوسيلة لمنع توحدها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وكان للعرب أيام ووقائع مع أعدائهم كان للخالة فيها دوراً بارزاً ومشهوداً.

 

الخيالة في جنوب الجزيرة :

لم يكن من السهل على الثائر العربي سيف بن ذي يزن طرد الأحباش من اليمن، وقد جاءت محاولته بعد فترة طويلة من استيلاء الأحباش على اليمن إثر سقوط الدولة الحميرية الثانية سنة 525 م، فخرجوا من المدن وهدموا القصور وقتلوا أهلها وسبوا نساءها، وذهب ملك الحميرين بعد مقتل آخر ملوكهم ذو نواس الذي لم ينجح في محاولته ضد الأحباش ([10]) وتسلط على الحكم أبرهة وكانت أوامر ملك الحبشة تقضي بالاندفاع نحو البلاد العربية للسيطرة على المراكز السياسية والاقتصادية والدينية وكان لا بد وأن تستهدف مكة وهي المركز المهم الذي يجمع النواحي الثلاث، إلا أن حملة أبرهة على مكة باءت بالفشل الذريع بعد تقهقر الجيوش الحبشية نتيجة المرض والوباء وموته هو الآخر ([11]).

لقد كان سيد العرب والقائد في مكة عبد المطلب بن عبد مناف، وكانت جيوش أبرهة الحبشي مدججة بالسلاح المدرع بالفيلة والرماة ([12]) وقيل أن عدد هذه الجيوش ستون ألفاً ([13]) وقد تجلت حكمة القائد العربي عبد المطلب بإدراكه أن رجاله لا قبل لهم بهذه بمواجهة مثل هذا الجيش، فأمر أهل مكة باللجوء إلى الجبال، وقصة مصير جيش أبرهة قد أصبحت معروفة الآن وقد جاء بعده ابنه يكسوم الذي تميز حكمه الذي استمر عشرون عاماً ([14]) بالظلم والإذلال لأهل اليمن وقيامه بمحاربة القبائل العربية لإخماد الدعوات التي كانت تسعى لإنقاذ البلاد من حكم الأحباش. وكان أن ظهر رجل من أبناء اليمن اسمه (سيف بن ذي يزن) أخذ ينظم الجهود الوطنية بهدف التحرر وتطهير جنوب الجزيرة العربية ويكتب النصر لهذا القائد، وتشير المصادر إلى أن الوفود العربية قد توافدت لتهنئته والفخر بما أنجزه أبناء اليمن، وكان من بين هذه الوفود عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس.

ويقول سيد مكة عبد المطلب " إن الله أحلّك أيها الملك محلاً رفيعاً، حتى قال، وأنت أيها الملك رأس العرب الذي إليه تنقاد وعمودها الذي عليه العماد ومعلقها الذي تلجأ إليه العباد " ([15]).

لقد كانت أياماً فاصلة بين العرب والأحباش في جنوب الجزيرة سجل الرجال الفرسان أروع الملاحم التي تجلت في واقعة (خزاز)، وإذا درسنا هذه الواقعة يظهر لنا جلياً (وحدة القبائل العربية المشاركة، وحسن القيادة، واستخدام التمويه)، وحسم الموقف أخيراً بالخيالة الفرسان. لقد كان (خزاز) جبلاً تحشدت فيه القبائل العربية، وبعد إكمال التحشد أوعز لكل رجل أن يحمل مشعلين يوقدهما، حتى أمسى الجبل شعلة من النار، ويبدو أن مهمة الخيالة كانت تتركز على نشر النيرات على قمة الجبل وسفوحه الحالية، وبعدها السيطرة على الوديان والمنافذ المؤدية إلى الجبل. وقد ولدت هذه العملية إحباطاً في نفوس الأحباش مما أربك تقدمهم، وما أن طلع النهار حتى كانت جيوشهم تولي الأدبار بعد أن انهارت معنوياتهم مما سهل على الجيش العربي مطاردتهم من على صهوات جيادهم يثخنون فيهم قتلاً حتى تحقق للعرب النصر بفضل خيالتهم ([16]).

 

الخيالة في وسط الجزيرة :

كانت مكة بسبب وضعها الديني رمزاً للهيبة العربية قبل الإسلام، ولأنها مركز عبادة العرب جميعاً فقد كانت تجمع الموحدين والمشركين على حد سواء. وفضلاً عن مركزها الديني فقد كانت مركزاً تجارياً مهماً، إذ نشطت تجارتها بين البلدان العربية من ناحية وبلدان العالم القديم من ناحية أخرى.

وقد أدركت قريش قيمة مدينتهم وانعكاس ذلك على مكانتهم بين العرب، فبواسطة الدين كانوا يحصلون على مكانتهم باعتبارهم أهل بيت الله، وبسبب مكانة مدينتهم التجارية عقدوا الأحلاف مع القبائل التي تسكن على طرق التجارة لحماية قوافلها من السلب والنهب حتى وصولها بسلام مقابل أجر ([17]). أما وضعها السياسي والعسكري فقد اتخذت لها نمطاً خاصاً بها لا مثيل له في البلاد العربية جميعها وهو حكم (السادة الديمقراطي) إن جاوز استعمال هذا المصطلح الذي يمثل ذلك النظام. وكان سبب اتخاذها لهذا النمط الخاص، الخشية من تبعيتها إن اختارت رئيساً أو ملكاً قد يعمل لمصلحة الفرس أو الروم أو الأحباش وهي الجهات ذات النفوذ في المنطقة آنذاك وقد سبق وأن عيّن الروم أحد رجالها وهو (عثمان بن الحويرث) ملكاً عليها وأصبحت خاضعة لهم مما دفع قريش لأن تقتله بالسم ([18]). وتمشياً مع النظام المعمول به في مكة وزعت المسؤوليات بين العوائل المتنفذة فيها على مجلس أطلق عليه مجلس السيادة، وهو مجلس قيادة المدينة قسمت مسؤولياته كالآتي :

- لبني هاشم : سقاية الحجيج، وكان آخرهم العباس بن عبد المطلب.

- لبني أمية. راية قريش الحربية المسماة (العقاب) وكان آخرهم أبو سفيان بن حرب ([19]).

- لبني نوفل : الرفادة. وهي الأموال المجموعة التي تصرف للحجيج وكان آخرهم الحارث بن عامر.

- لبني عبد الدار : اللواء والسراته والحجابة والندوة، وكان آخرهم، عثمان بن طلحة ([20]).

- لبني أسد : المشورة في الحكم، وآخرهم يزيد بن رفعة بن الأسود.

- لبني تميم : الإنفاق. وهي الديات والمغرم، وكان آخرهم أبو بكر الصديق (رضي الله عنه).

- لبني مخزوم : القبة والأعنة، وهي الجيش والخيل والخيالة، وآخرهم خالد بن الوليد.

- لبني عدي : السفارة، لتمثيل قريش مع غيرهم، وكان آخرهم عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).

- لبني جمع : الأيسار والأزلام، وكان آخرهم صفوان بن أمية.

- لبني سهم : الحكومة والموال المجمدة لآلهتهم وآخرهم الحارث بن قيس ([21]).

 

القبة والأعنة :

وهي مسؤولية الدفاع عن سيادة مكة وأهلها إذا ما تعرضت لطارئ. وكان بمثابة الترسانة العسكرية التي تحوي مخازن السلاح الاحتياط، إضافة إلى أسلحة المقاتلين المستخدمة في المعركة أو المحفوظة في الدور، كما يتعين على مسؤول الذخيرة معرفة الفرسان وخيلهم، ثم عددهم وتدريبهم. وهذا ما نتلمسه عند صاحب القبة والأعنة خالد بن الوليد بعد إسلامه وبروز سماته القيادية في الحروب التي خاضها وقدرته على انتزاع النصر من عدوه، وقد فعل ذلك في معركة أحد التي عدها المشركون ثأراً لهزيمتهم في معركة بدر الكبرى. وفي هذه المعركة أنيطت بخالد مهمة خاصة مع عدد من الخيالة في ميمنة جيش قريش، وقد ظل يراقب المعركة بعين الخبير. وعندما شاهد رماة المسلمين يتركون أماكنهم على الجبل طمعاً بالغنائم بعد أن تبين نصر المسلمين خلافاً لأوامر الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). اندفع خالد بفرسانه واستدار حول الجبل وهاجم المسلمين من الخلف، وهكذا تمكن من قلب نصر المسلمين إلى هزيمة بفضل ذكائه وسرعة فرسانه، وعد ذلك درساً بليغاً بضرورة التقيد بالأوامر والتمسك بها ([22]).

 

الخيالة في شمال الجزيرة (العراق وبلاد الشام) :

سكنت القبائل العربية في العراق وبلاد الشام، وهم من القبائل التي نزحت من جنوب الجزيرة العربية، واستقر قسم منهم في الحيرة من أرض العراق، وعرفوا بالتنوخيين، وهم اللخميون الين أسسوا دولة المناذرة. فيما استقر القسم الآخر من القبائل في بلاد الشام وقاموا بإنشاء إمارة خاصة بهم وعرفوا بـ (الغساسنة) وموقعهم شرق الأردن (بصرى). وقد تعاقب على حكم إمارة المناذرة ملوك عرب أشهرهم النعمان الأول والمنذر الثلاث بن ماء السماء والنعمان الثالث الذي انتهت حياته بقتله من قبل (ابرويز) لمحاولته جمع كلمة العرب لطرد الفرس من العراق ([23]). وقد ألّف هذا الملك الكتائب العسكرية وأنشأ الخيالة المدربة المنظمة.

ولعل من أشهر ملوك الغساسنة الحارث الثاني بن جبلة الغساني والحارث الأعرج، ولا تشير المصادر بوضوح إلى الدور العسكري أو الجيش النظامي لهذه الإمارة. ويبدو أنهم كانوا في وقت الحرب يجندون رجالهم، وبعد انتهائها يعيدون الأسلحة إلى مستودعاتها في بصرى أو دمشق ثم يعودون لممارسة أعمالهم المعتادة ([24]).

كان الفن الحربي لدى المناذرة والغساسنة متطوراً مقارنة بما كان عليه لدى عرب الجزيرة، وذلك بسب احتكاكهم بالجيوش النظامية لفارس وبيزنطة في السلم والحرب، أما الحروب التي تنشب بين الطرفين فكانت حروباً هامشية يدفع من فارس أو بيزنطة لإبعاد أي احتمال لتوحدهما معاً ضد إحدى الدولتين. وكان جيش المناذرة في عهد النعمان الثالث (أبو قابوس) مؤلفاً من خمس كتائب عسكرية هي :

1- كتيبة الدوسر : وهي أقوى الكتائب وأشدها بأساً، وتؤلف من مختلف القبائل العربية في المملكة، ولذلك ضرب العرب بها مثلاً فقالوا (أبطش من دوسر) ([25]).

2- كتيبة الأشاهب : ورجالها من قبيلة الملك العربي النعمان.

3- كتيبة الرهائن : وهذه الكتيبة مسؤولة عن تدريب الرجال وإعدادهم من قبائل البادية، يبدلون سنوياً في فصل الربيع بعد مماثل.وتعد هذه الكتيبة أول دعوة للخدمة الإلزامية للرجال من القبائل.

4- كتيبة الوضائع : وأفرادها من الفرس، يضعهم ملك فارس في خدمة الملك اللخمي ويبدلون كل عام.

5- كتيبة الصنائع : وهي كتيبة الحرس الخاص، وتعد بمثابة حرس الشرف الخاص بالملك ([26])، ورجالها عرب من بني قيس وتميم.

ولا شك أن الملك العربي النعمان عندما أنشأ هذه القوة العسكرية المنظمة قبل الإسلام كان هدفه أن يوازن مع قوة الفرس والروم الموجودة على الأرض العربية. وقد كان لهذه القوة دوراً قومياً بارزاً في صراعها مع الفرس، تجلى في معركة ذي قار، فضلاً عن أن لها الريادة في اعتماد نمط التجنيد الإلزامي في ذلك الوقت المبكر والذي استمر حتى ظهور الإسلام.

 

واقعة ذي قار :

لعبت الخيالة دوراً مهماً في واقعة ذي قار وكان لها الفضل في حسم المعركة لمصلحة العرب، إذ خبرت المهمات القتالية والفنون العسكرية بصورة جدية، وقد استخدمت الكراديس في هذه الواقعة نوجزها من خلال العناوين الآتية :

1- الأرض : ونعني بها (ميدان المعركة) وهي صحراء قاحلة ذات تربة شبه متماسكة، وتعد مثالية لاستخدام الخيالة.

وقد كان للجانب العربي الدور الأكبر في اختيار ميدان المعركة. دارت المعركة شرق الف5رات وتمتد سلسلة من التلال غرب المنطقة على امتداد النهر بشكل موازٍ له وباتجاه الجنوب الشرقي، وتبعد هذه التلال عن النهر مسافة تتراوح بين (20-40) كم. وتشير معظم المصادر أن المعركة قد دارت في المنطقة التي تقترب من ناحية البطحاء حالياً التابعة لمحافظة (ذي قار) إدارياً.

2- القوة العسكرية الفارسية : تكونت القوة الفارسية من أربع فرق، اثنتان منها يقودهما فارسيان، والفرقتين الأخريين يقودهما عربيان يعملان كعملاء لحساب كسرى. وجميع هؤلاء القادة من القادة المشهود لهم وهذه الفرق هي :

- فرقة الهاموز.

- فرقة جلايزين.

- فرقة قيس بن مسعود ذي الجدي.

- فرقة إياس بن قبيصة ([27]).

أما القائد العام فهو قائد الفرقة الرابعة الذي عينه كسرى قبل ذلك ملكاً على الحيرة بعد قتله النعمان الثالث.

بلغت قوة الفرس العسكرية ثمانية آلاف مقاتل إضافة إلى كتائب الخيالة والدروع والحصون المتحركة التي تمثلت بالفيلة حاملة الأبراج، المعززة بالفرسان أصحاب النبل والرماح.

3- القوة العسكرية العربية : تألفت القوة العربية من أربع كتائب قادتها من العرب رؤساء القبائل تميزوا في قبائلهم قادة وفرسان جيدين :

- كتيبة هاني بن قبيصة.

- كتيبة يزيد بن مسهر.

- كتيبة حنظلة بن ثعلبة العجلي (وهو القائد العام للقبائل العربية).

4-  سير المعركة : لقد كان الأساس الذي بنيت عليه خطة المعركة لدى العرب هو المباغتة وبالأسلوب الآتي :

- نصب كمين للفرس بفرقة يزيد بن حمار السكوني ([28])، وفي الوقت المناسب تقوم بمهاجمة الفرس من الخلف.

- قيام كتيبة إياس بن قبيصة العربية التي تقاتل الفرس، بالانسحاب من المعركة في وقت متفق عليه مع القيادة العربية، وهي تمثل ربع القوة الفارسية.

وقد كان لهذه المباغتة تأثيرها الحاسم على المعركة في حينه إذ أدت إلى خلخلة قوات العدو وإصابتها بالإرباك، وبالتالي الهلع ثم فقدان التوازن والفرار بهزيمة منكرة بعد أن فقدوا خيرة مقاتليهم. وقد كان للخيالة الدور الأكبر في النصر العربي حيث أن قوة الكمين كانت بمجموعها من الفرسان.

 

الخيالة عند الروم والأحباش والفرس :

كانت الخيل في المجال العسكري آلة الحرب الضرورية عند العرب كما هي عند غيرهم، حيث أدخلت في التنظيمات العسكرية ودربت على اقتحام الصعاب وكان الاهتمام والعناية بها أمراً ضرورياً عند قادة الميدان العسكريين، ثم أصبحت الخيالة تشكل ركناً أساسياً في التنظيم الهرمي للجيوش الكبرى قبل الإسلام ([29]) ونظراً لما تمتلكه الإمبراطوريات الكبيرة من إمكانيات ضخمة فقد جندت الأعداد الكبيرة من المقاتلين خيالة وراجلين. وكانت هذه الجيوش وسيلتهم لتحقيق أحلامهم التوسعية للسيطرة على المنافذ البحرية والبرية التي تمر عبرها التجارة العالمية القديمة، إضافة لمركز الاستقطاب الاقتصادي والسياسي والديني كما ذكرنا آنفاً ([30]).

إن توفر تلك الأعداد من المقاتلين كان عن طريقين : الأول نظام التطوع، وهو ما كان يعتمده البيزنطيون. والآخر ما جهزته الشعوب المغلوبة على أمرها بأعداد أخرى للخدمة في جيوش الروم والأحباش والفرس بعد غزوها واحتلالها لأراضي تلك الشعوب وخضوعها لسلطتها المطلقة. لقد كان الأسلوب المعتمد من قبل هذه الإمبراطوريات يحقق لها فوائد متعددة، فضلاً عن الفوائد المادية، إذ أن توفر العنصر البشري يؤمن لهم إمكانية تطوير جيوشهم باستمرار، كما أن هذا الأسلوب يؤمن إمكانية التطور النوعي عن طريق الاقتباس بالاستفادة من الجوانب العسكرية والفكرية. ومن أمثلة هذا الاقتباس :

- عرفت بيزنطة نظام الكتائب القائمة على سلاحي المشاة والخيالة. بعد أن أخذت هذا التنظيم من اليونانيين القدماء.

- أخذ البيزنطيون عن العرب الشرقيين حدوة الحصان، والسرج العالي، والركاب، وفكرة الرمي من على ظهور الخيل، وهو (الرمي من الحركة) التي يقوم بها الخيال بقذف النبال والسهام بدقة ([31]).

- اقتبس الفرس استخدام الفيلة المدرعة كدروع في المعركة أثناء التقدم والهجوم من الأحباش ([32])، وقد أضاف الفرس عليها الهوادج الخشبية حيث كان رماة النبال يرمون من داخلها بدقة عالية ([33]).

- استخدم الأحباش الأدلاء في تحركاتهم العسكرية باقتباسها من العرب، إذ كانت مهنة الدليل عند العرب معروفة منذ زمن طويل، إذ كان الأدلاء يرافقون القوافل التجارية وكانت لهم دراية ومعرفة بالأرض واقتفاء الأثر وكذلك الاهتداء بالنجوم ([34]).

 

الجيش البيزنطي :

امتازت بيزنطة بالتنظيم العسكري عبر التأريخ، وكان الفضل في هذا يعود إلى ثلاثة من أباطرتها، هم (جوستيان) و (موريس) و (هرقل)، فكان التوسع البيزنطي زمن جوستيان والتنظيم العسكري زمن موريس حتى تمكن هرقل الاستفادة من هذا التراكم في التوسع والسيطرة ([35]).

أصبحت الخدمة العسكرية عند الروم البيزنطيين فرضاً على كل رجل حتى سن الأربعين، إضافة إلى نظام التطوع. وقد كان عدد المتطوعين كبيراً بسبب ما كان يتقاضاه المتطوع من مبالغ ضخمة فضلاً عن بعض الخدمات التي تقدم كالطعام والكساء وتأمين السلاح. وكان يطلب من جندي المشاة أن يؤمن رمحه، ومن الجندي في الخيالة تأمين جواده ([36]).

لقد كان نظام الكتائب هو المعتمد لدى البيزنطيين وهو معتمد على التقسيم اليوناني القديم، وحتى نقترب إلى العصر الذي تغطيه هذه الدراسة نجد التنظيم لدى البيزنطيين في العهد الإسلامي قد أخذ بأسلوب الكراديس، وكان الكردوس يضم (600) مقاتل، أما التنظيم الدائم للجيش البيزنطي فقد كان كالآتي ([37]) :

1-  القائد العام (البطريق) ويقود (100.000) مقاتل.

2-  الطور ماخان ويقود (5000) مقاتل.

3-  الدار نجري ويقود (1000) مقاتل.

4-  القوس ويقود (200) مقاتل.

5-  القمطرخ ويقود (50) مقاتلاً (من المتوقع أن يقود هذا العدد).

وكان القائد العام لهذا الجيش هو الإمبراطور، أما عناصر هذا الجيش فهي من ثلاثة ([38]) :

1-  الفرق العادية، التي تضم المشاة وتشكل القسم الأكبر الخفيف.

2-  الفرق الممتازة، التي تضم المتطوعين ومنهم المشاة الثقيل أصحاب الدروع ووحدات الخيالة الفرسان.

3- فرق الحلفاء، التي تضم المقاتلين المجندين الذي تقدمهم الشعوب التابعة للدولة البيزنطية ومنهم رماة السهام ويقودهم رجل يعين من وطنهم.

 

الجيش الحبشي :

كان الأحباش يدينون بالديانة النصرانية، وهي ذاتها التي يؤمن بها البيزنطيون، ونتيجة لذلك أصبح البيزنطيون أحلافاً للأحباش ([39])، وقد أبقت الحبشة سيطرتها على اليمن ولم تحاول أن توسع منطقة سيطرتها بسبب التوسع الفارسي شرق الجزيرة العربية ووجود الروم في شمالها. وقد أجمعت المصادر أن القوة العسكرية للأحباش كانت متركزة في جنوب الجزيرة، ويبدو أن إمكانياتها لا تمكنها من بسط سيطرتها على المزيد من الأراضي العربية ([40])، وتشير المصادر أن الملك الحبشي (النجاشي كالب) جهز جيشاً يقدر بنحو سبعين ألف مقاتل بقيادة رجل يقال له (ارباط بن اصحمه) للانتقام من ملك اليمن (ذي نواس وحفيده) وعهد إليه أن يقتل ثلث رجالهم ويخرب ثلث بلادهم ويسبي ثلث نسائهم وأولادهم ([41]).فأبحر الأحباش في سفنهم ونزلوا على سواحل اليمن ([42]) ولم يتمكن (ذو نواس) من مقاومة ذلك الجيش الجرار. وكانت الحجة التي اعتمدها الحبشيون كمبرر لغزو أرض اليمن بتخطيط مسبق ما بين بيزنطة والحبشة، أن الحميريين قد اضطهدوا نصارى اليمن. ولا نستطيع معرفة التنظيم العسكري وإعداد الجيش الحبشي وصفوفه لقلة المعلومات الواردة في المصادر، والمعلومات المتيسرة لا تتعدى القصص والروايات، وعليه يمكن رسم الملامح العامة للتنظيم العسكري للأحباش بالآتي :

1-  النجاشي، وهو ملك الحبشة والقائد العام.

2-  قائد الجيش. ويعين من قبل الملك ([43]).

3-  الجيش.

وبعد تحليل المصادر المتيسرة يمكن القول أن الجيش الحبشي كان مؤلفاً من العناصر الآتية :

1-  الخيالة الفرسان.

2-  رماة النبال والحراب.

3-  الفيالة.

4-  المشاة.

الجيش الفارسي :

قام الفرس بتنظيم قوتهم العسكرية في عهد الدولة الساسانية التي اتخذت طيسفون عاصمة لها، وهي المدائن حالياً من أرض العراق العربي، ولقب ملوكهم بالأكاسرة، فكان كسرى الأول أنو شيروان الذي عدت أعماله حدثاً قوياً في الميدان العسكري فهو الذي أسس الجيش، وأدخل فيه فرق الخيالة الثقيلة المدرعة والفيلة، وامتاز عصره بالإصلاحات العسكرية. ثم ورث العرش كسرى الثاني ابرويز، وهو الذي قتل النعمان بن المنذر ملك العرب في الحيرة، وكسرى الثاني شهد صدر الرسالة الإسلامية.

لقد اعتمد الفرس في التنظيم العسكري، التقسيم الطبقي للمجتمع ([44])، عكس الروم البيزنطيين مثل الفرسان النبلاء والمشاة الفلاحين والمحاربين الحلفاء من الشعوب التي استعمروها، أما التنظيم الدائم للقيادة العسكرية فهو ([45]) :

1-  الميرمران. ويعني أمير اللواء ومن طبقة القادة العظام، ويقود أربعة قادة يسمى الواحد منهم (أصفهبذ).

2-  الاصفهبذ. ويعني أمير حاكم. ويقود أربعة قادة. يسمى منهم الواحد (مرزبان).

3-  المرزبان. ويعني حاكم أقليم، ويقود أربعة قادة يسمى الواحد منهم (سالار).

4-  السالار، ويعني رئيس، ويقود التنظيم الرباعي.

وإذا أردنا معرفة حجم الأعداد لهذا التنظيم فسنجد أن :

- السالار، يقود (15) مقاتلاً.

- المرزبان، ويقود 15 × 4 = 60 مقاتل.

- الأصفهبذ، ويقود 15 × 4 = 60 مقاتل.

- الميرمران ويقود 15 × 4 = 60 مقاتل.

ومن دراسة هذه الأعداد وصفوف الجيش الفارسي، نجد أن الخيالة الفرسان تشكل ثلث الجيش، فالسالار يقود (15) مقاتلاً منهم عشرة من الخيالة الفرسان. أما عناصر هذا الجيش الأساسية فهي ([46]) :

1-  الخيالة الفرسان، وهم الأسادرة.

2-  الفيالة، وهم راكبوا الفيلة وسائسيها.

3- المشاة، وهم البايكون من الفلاحين الفقراء، ويكونون في المؤخرة لخدمة الفرسان، ويسلبون القتلى ويهدمون الأسوار.

4-  الورائق، وهم الفرق المؤلفة من الشعوب المغلوبة على أمرها، ويمتازون بالشجاعة والفروسية.

 


([1]) دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960، ص711.

([2]) الدكتور أحمد سوسة – مفصل العرب واليهود في التاريخ – منشورات وزارة الثقافة والإعلام – سلسلة الدراسات 243 لسنة 1981، ص213.

([3]) الدكتور أحمد سوسة – مرجع سابق، ص192.

([4]) الدكتور أحمد سوسة – مصدر سابق، ص310.

([5]) صحيح مسلم – ج6 – ص32، (وفي رواية أخرى الأجر والمغنم).

([6]) ابن سيده – المخصص – ط1 – القاهرة – ج6 – ص185.

([7]) عبد الرؤوف عون – الفن الحربي في صدر الإسلام – دار المعارف 1961 – القاهرة – ص134.

([8]) هذا عند أبي حنيفة، أما الشافعي فللفارس من الغنائم ثلاثة أسهم وللراجل بسهم واحد ولا يعطى سهم الفارس إلا لأصحاب الخيل خاصة – الماوردي – الأحكام السلطانية – ص140.

([9]) انظر دكتور جواد علي – الفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام – ج2، ص631.

([10]) انظر الطبري، محمد بن جرير، تأريخ الأمم والملوك، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، ص122.

([11]) ذكر القرآن الكريم بقوله تعالى : " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4)  فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5) " سورة الفيل.

([12]) قال عبد المطلب :

يا أهل مكة قد وافاكم ملك
هذا النجاشي قد سارت كتائبه
يريد كعبتكم والله مانعه

مع الفيول على أنيابها الزرد
مع الليوث عليها البيض تتقد
كمنع تبع لما جاءها جرد

وتفضيل ذلك راجع : المسعودي، المروج، 2 ص128.

([13]) الألوسي، بلوغ الأرب، ص258، ما نظمه الشاعر الجاهلي عبد الله بن الزيعري حين كشف عن هذا العدد.

([14]) المسعودي، المصدر نفسه، ص80.

([15]) الألوسي، مصدر سابق، 5، ص267.

([16]) انظر، د. عادل جاسم البياتي، تاريخ الأدب العربي قبل الإسلام بالاشتراك مع د. نوري حمودي القيسي ود. مصطفى عبد اللطيف، طبع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بغداد، 1989، 3، ص233.

([17]) الألوسي، بلوغ الإرب، ج1، ص245، وسعيد الأفغاني، الأسواق، ص127 نقلاً عن هشام ويسمون هذا الحلف بالإيلاف، كما جاء في القرآن الكريم سورة قريش الآيات 1-4.

([18]) انظر الزبير بن بكال، جمهرة نسب قريش وأخبارها، تحقيق محمود محمد شاكر، مكتبة دار الوردية، القاهرة، 1381 هـ، صص425 – 428.

([19]) قطب الدين النهرواني، الإعلام، بإعلام بيت الله الحرام، تحقيق وستفلد لبيترج، 1857 م، ص45.

([20]) البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، ص52.

([21]) الألوسي، بلوغ الإرب، ج1، ص249.

([22]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، عني بمراجعة أصوله والتعليق عليه نخبة من العلماء، دار الكتاب العربي، 1378هـ، 1967 م، بيروت – لبنان، صص 107-108.

([23]) محمود الدرة، تأريخ العربي العسكري، دار الكتاب العربي، بيروت، 1964 م، ص40.

([24]) ياسين سويد، معارك خالد بن الوليد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، لبنان، 1973م، ص82.

([25]) انظر الميداي، أبو الفضل أحمد بن محمد النيسابوري، مجمع الأمثال، القاهرة، 1352هـ، ج2، ص125.

([26]) انظر الألوسي، بلوغ الإرب، ج3، ص43 وما بعدها.

([27]) انظر الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، تأريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، القاهرة، 1378هـ/1967م، ج11، ص ص 742-744.

([28]) انظر السيد عبد العزيز السالم، تأريخ العرب في الجاهلية، بيروت، 1971 م، ج2، ص276، وانظر د. جواد علي، مرجع سابق، ج4، ص95.

([29]) انظر جورج كاستلاف، تأريخ الجيوش، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1956م، ص54.

([30]) انظر، السيد عبد العزيز سالم، تأريخ العرب في الجاهلية، ص ص 157-158.

([31]) فول، أثر التسلح في التاريخ، دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر، دمشق 1954، ص 36-67.

([32]) انظر محمود الدرة، تأريخ العرب العسكري، ص ص 49-50.

([33]) المرجع نفسه.

([34]) المرجع نفسه.

([35]) جورج كاستلان، تأريخ الجيوش، مكتبة النهضة المصرية، 1956، ص54.

([36]) المرجع نفسه.

([37]) عبد الرؤوف عون، الفن الحربي في صدر الإسلام، دار المعارف بمصر، 1961، ص112، وانظر نورمان بينز، الإمبراطورية البيزنطية، ترجمة حسين مؤنس ومحمود زايد، ص ص 175-176.

([38]) انظر محمود الدرة، تأريخ العرب العسكري، ص 55.

([39]) انظر د. جواد علي، مرجع سابق، ص ص3-19.

([40]) ابن هشام، السيرة النبوية، ج1، ص56.

([41]) الطبري، ج2، قسم 1، ص 927.

([42]) المسعودي، مروج الذهب، ج2، ص927.

([43]) اليعقوبي، ج1، ص162.

([44]) نخبة من أساتذة التاريخ، الجيش والسلاح، بغداد، 1988م، ص42.

([45]) عبد الرؤوف عوة، الفن الحربي في صدر الإسلام، ص ص 112-113.

([46]) انظر : ياسين سويد، معارك خالد بن الوليد، ص ص 79-80.

شبكة البصرة

الاربعاء 23 شوال 1429 / 22 تشرين الاول 2008

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس

http://www.albasrah .net/ar_articles _2008/1008/ alfkhri_221008. htm

Activités récentes

Aller sur votre groupe

Yahoo! 360؛

Partagez l'essentiel

Blog et photos avec

vos proches.

Yahoo! Groupes

Créez votre groupe

Partagez vos goûts

avec les autres.

Y! Toolbar

100% gratuit !

En 1 clic, accédez

à vos groupes.

.


__,_._,___

Publicité
Publicité
Commentaires
Publicité
Publicité